كانت هذه الجميله ذات العيون الحوراء منهكه ومنكسره ... لاتقوى علي رفع جفونها من علي خدها الذي بدأت زهوره في الذبول ... وقطرات العرق تنساب علي جبينها وعلي جيدها ... وكأنها حبات لؤلؤ تتدحرج علي كأس من فضه ... وخصلات شعرها الحريري الليلكي قد التصقت علي وجنتيها ... مبتله بالندي المنساب من بشرتها الشمعيه ... وكأن شعرها ساعات الليل الاسود جاءت لتغرب وراءه شمس وجهها ... والألم يرفرف فوقها فترتعش شفتاها مع ضربات جناحيه .
ممدةٌ هي علي فراشها ... وحولها وقف أناس كثيرون ... يلفهم الصمت ... وقفوا خشوعا أمام هذه اللحظه ... التي يتصارع فيها الحسن مع الألم ... اللحظه التي ارتمى فيها الشباب المرح الثائر الضاحك في حضن عازف انغام الفراق ... الراقص على صوت حشرجات الروح ... طارق الباب الذي لايستأذن ... والزائر الاخير ... انه الموت.
مستسلمة هي ... تفتح عينيها جاهده فتخذلها جفونها التي لم تعد تقوي علي حمل رموشها ... وتتدلي من جديد ... وكأن رموشها تخشى البعاد عن خدها ... لكنها ظلت تحاول وتحاول ... فهي تريد أن تراه ... تريد أن تلقي عليه النظره الاخيره .
كان هو بجوارها ... لايعبأ بما هي فيه ... بل كان مبتسما ينظر الي جموع الواقفين ... لم يحزنها أنه لايكترث بآلامها ... فمدت يدها المنهكه اليه بصعوبه ... وامسكت به ... فشوقها وحنينها لضمه الي صدرها ... اعطاها بعض القوه لعناد و تحدي قيود الالم ... كي تحقق رغبتها الاخيره في أن تضمه وتقبله .
جذبته اليها بيدها حتي ضمته الي صدرها ... احتوته في حضنها الدافي بدفء الحب والحنان ... ونار الالم والفراق ... وشرعت تقبل كل مكان في وجهه ... خديه ... شفتيه ... وكانت قبلاتها بطيئه ... وشفتاها ترتعش علي جبينه ... وقطرات دموعها تبلل وجهه .
لم يكن هو يهتم بحالها ... ولا يبادلها قبلاتها ... ولم يحتويها في حضنه كما احتوته هي ... بل كان باسما يداعب باصابع يديه هذا العقد المتدلي من رقبتها .
وفجأه ضمته الى صدرها ضمه قويه واطبقت شفتيها علي شفتيه ... ثم سكنت حركتها في رضا ... وتحول الالم الذي كان علي وجهها الي شعاع من نور يرسم ابتسامه رضا علي ملامحها القدسيه... ماتت
في هذه اللحظه ... سكن هو ايضا ... هدا وكف عن العبث بعقدها ... لايدري لماذا سكن ... لازلت شفتاه بين شفتيها ... وكأنها نفثت روحها فيه ... وهبته كل رصيدها من الحنان والحب في قبلتها الاخيره له قبل رحيلها .
أدرك بعد فوات الاوان كم كان يعشقها ... ظل يبحث عن مثيلة لها ... يضمها الي صدره ويحتويها ... ويهبها رصيده ورصيد الراحله من هذا الحب والحنان .
بحث طويلا عن من تشبهها ... وكلما اقترب من امرأه ... ضمها الي صدره ... وتذوق رحيق قبلتها ... لعله يجد هذا العبير الذي لم يكن ساعتها يحس به من المرأه التي أحبته ... وماتت وروحها لازالت ترفرف علي شفتيه .
تمر الاعوام والسنون ... ولازالت لحظة الوداع هذه ... حكاية لحظه محفوره في وجدانه منذ سمعها ... لحظه الوداع التي خرجت فيها روح أمه علي شفتيه وهو رضيع ابن اسابيع